
ورق ورق ورق…. في كل مكان ورق… ورق
يا سعاد
نادت الجدة اللتي لم تعد تعلم بأي الأعمار والأزمان تكون… يا سعاااااد
نعم يا جدتي..
أين كنتي… كل الغرفة ورق… في كل مكان ورق..
يا جدتي أنتي من تحبيها هكذا…في كل مرة ألمس أي ورقة تغضبين .و….
قاطعتها الجدة وهي تنظر لقدميها وقد انحنا رأسها وظهر كتف آخر على كتفيها من آثار الزمان.. وقد توشحت ذالك الرداء الخفيف اللتي صنعتة لأيام الحر فهو شفاف ومزركش ومرسوم علية الطاووس من كل جنب.
ووووو… ماذا… هل انا كبرت هل أنا أخرف.. هل أنا أصبت بالزهايمر… وبصوت بسيط قالت هل أنا …. وساد الصمت وكانت سعاد تنظر للضوء القادم من النافذة اللتي تتكدس بالأوراق والكتب والصور القديمة.. كانت سعاد لا تبالي بما تسمع ولا تحب أن تسمع كل تلك المحادثات الشبة يومية فلقد أصبحت مصابة بداء اللامبالاة وهي تعتبرة أحسن الأدوية وأنجعها..
لم تعد تلك المرأة تحب أن تفتح الرسائل كما اعتدنا يا قدري…هكذا قال ساعي البريد لصاحبه .
قلت لك ألف مرة اسمي عبد القادر وليس قدري.. ثم نحن نضع لها البريد فلسنا مضطرين كما السابق ان ننتظر منها ان تفتح الباب.. نوقع بدلا منها ونذهب..
أنظر..
ماذا يا حكيم..
لا اني أمازحك ..
كانت حافية القدمين .. نعم … كانت ولم تزل كل صباح تتمشى بقدر قوتها في شارع ضيق الى ان تلمس الرمل المقابل للساحل لتجعل فيه أصابعها كما كل صباح وتقف وتلاحق السحب اينما ذهبت وتلعب أسماعها بكل ما يحيط بها بكل صوت وكل نسمة تمر بلا صوت فلقد كانت تستمتع بالصمت والأصوات كلها… هي عجوز ولكنها في عجوز في سنوات العمر وليس في قلبها هرم ولا في سمعها زمن ولى.. هي ربيبة الثمانين وصاحبة الآف الليالي والأيام… هي قديمة بين قرنين ولكنها تقف هناك كأنها بنت العشر سنين ولم يغير الزمان الا جسدها ولم تفعل الأيام في روحها الكثير فهي من غيرت أيامها وعبرت بالأزمان الى واقعها ..
يهتز الكرسي ويهتز وصراخ وكلمات نقاش في الغرفه الأخرى في غرفه تلتصق بالصالة.. فيها من الأحفاد الكثير.. فيها من كل رأي وتوجه ونقاش حاد وضحكات.. ظل يهتزفلقد اعتادت ان تهز رجلها بقوة شديدة لتحرك كل ما حولها ولكنها أضحت جزء من شخصيتها..
أمي… أمي…
كانت أمهاخرساء شاحبة اللون كثيرة التحرك ملئة الأرداف قوية العظم رخوة الملمس.. كانت دائما تحب ان تنادي أمها وتحب أن ترى رأسها يهز ويرد بدلا عن لسانها.. هكذا تذكرت الجدة أمها فجأة.. نعم فجأة
توقف الاهتزاز ورفعت جسدها بسرعه لتنهض .. وقالت اين أمي..!
لم تعد تدرك سرعة خطواتها وهي تركض ولا تمشي نحو غرفتها .. أين هي أين أمي…
لم يكن يكترث ويحس بها أحد من كل ما يحيط بها فهي سريعه وخفيفة الخطوات.. بعثرت كل الأوراق وجعلت تبحث في كل ورقه وتقول أنا رأيتها أين هي أمي..
أمي.. ماما
نائمة بطول الأريكة ولقد فتحت النوافذ وهي مستلقيه ليلعب بشعرها آخر النسمات الليليه قبل حر الصباح ولقد أمسكت بيديها بعض الأوراق تشبث الغريق لحبل شد لإنقاذة.. نعم لقد كانت مستيقظة.. لقد كانت تكتب قبل قليل لأمها لقد بحثت بعجاله عن اي ورقة وأي قلم لتكتب لأمها
كتبت ولم تقرأ كتبت لأمها الخرساء اللتي لم تسمع صوتها يوما وهي تناديها باسمها حتى انها لم تعد تذكر ذالك الاسم.. كانت تكتب لها وترد عليها أمها في رسالات وقصاصات في أوراق كثيرة لم يكن لأولادها ولا أحفادها أن يعرفو ذالك.. كانت تحتفظ بكل قصاصه وورقه في غرفتها وكانت تحيط نفسها بتلك القصاصات من كل جانب هي لم تكن تحب الورق بل كانت تحب أمها وتتمنى ان تسمعها ولو لثانيه ولكن الورق من كتب كل الردود .. الورق من كتب كل الأحاسيس
كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي تمسك بما كتبت لأمها في أخر لحظاتها ولما انفكت يدها طارت تلك الأوراق وكانت فارغه تماما من كل كلمة ولم تكتب حرفا الا في أخر ورقة وتقول… ليت كل الناس سمعو أمهاتهم كما سمعتك يا أمي كما دونت كل كلمة لي منك يا أمي..
انها المقالة اللتي لن تكتب لكل منا